بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى تتعلق بصيام أهل البلاد التي يطول ليلها أو نهارها
بسام جرار
جاء فيما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخبار المسيح الدّجال:".... وما لبثه في الأرض ؟ قال: " أربعون يوماً ؛ يوم كسنة، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم"، قلنا: يا رسول الله ! فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: " لا، اقدروا له قدره ". صحيح مسلم
يُصرّح الحديث الشريف بضرورة استخدام التقدير عندما يختل نظام الليل والنهار. ومن هنا ذهب أهل العلم إلى القول باعتماد توقيت مكة لضبط أوقات الصلاة والصيام، أو باعتماد توقيت أقرب منطقة معتدلة. وهذا يعني أن يُصلّي الناس صلاة المغرب والعشاء نهاراً، وذلك عندما يطول النهار أكثر من 24 ساعة. ويعني أيضاً أن يُصلُّوا الفجر والظهر والعصر ليلاً عندما يطول الليل أكثر من 24 ساعة. وما قلناه في الصلاة نقوله في الصيام والإفطار ؛ فنصوم ونفطر ليلاً أو نهاراً، ويكون صيامنا وإفطارنا عدداً من الساعات يوافق ما عليه الصيام والإفطار في مكة أو في أقرب منطقة معتدلة.
هذا الذي قلناه يكاد يجمع عليه علماء العصر استناداً إلى هذا الحديث الصحيح. فلا إشكال إذن عندما يطول النها ر بمقدار عدة أشهر، وكذلك الليل. ولكن الإشكال يثور في البلاد التي يتمايز فيها الليل والنهار خلال 24 ساعة، فتجد الليل ساعة والنهار 23 ساعة، أو تجد الليل ساعتين والنهار 22 ساعة .... وهكذا يطول النهار ويقصر الليل، ويطول الليل ويقصر النهار بحيث يصبح الخلل والتفاوت ظاهراً قياساً على البلاد المعتدلة. ولحل هذا الإشكال وجدنا أنّ الغالب في الفتاوى المعاصرة أن يُكلّف المسلم صيام 23 أو 22 ساعة، وهذا يعني أن يُفطر المسلم ثم يصلي المغرب ثم العشاء ثم يقوم الليل.. كل ذلك في ساعة واحدة أو ساعتين أو ثلاث ساعات!!!
وإذا كان بالإمكان تصوّر حصول الصيام في حال طال النهار فهل يمكن تصوّره في حال قَصُر النهار فكان ساعة من الزمن؟! لا نظن أنّ عاقلاً يمكن أن يزعم أن الامتناع عن الأكل والشرب ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات يكون صياماً!! هذا يعني رفع التكليف بالصيام نتيجة اختلال الضابط، مما يعني أنّ من يفتي بذلك يقلب الأمور فيجعل مراعاة الضابط مقدماً على العبادة التي وضع الضابط من أجلها!! وكأنّ الصيام فُرض من أجل النهار، وكأنّ الصلاة فرضت من أجل الشمس!!!
يمكننا أن نُقدّر الدافع إلى مثل هذه الفتوى الغريبة فنقول: لعلهم لم يجدوا الدليل النصّي الذي يضبط لهم حالة الاختلال، فلا يدرون طول النهار الذي عنده يتم التحوّل إلى التقدير، فقالوا بالصيام عند التمايز، بغض النظر عن طول النهار أو قصره. ولا ندري ما كان يمكن أن تكون فتواهم لو لم يرد الحديث الشريف سالف الذكر؟! بل إنّ بعض الناس اليوم يقول إنّ الحديث ورد في الصلاة ولم يرد في الصيام، وهذا يعني أن نصلي ولا نصوم!!! وعلى أية حال فسؤال الصحابة كان عن الصلاة، أما إجابة الرسول عليه السلام فكانت تتعلق بتقدير اليوم، الذي يكون فيه صلاة وصيام، فقال عليه السلام:"اقدروا له"، ولم يقل"اقدروا لها"، أي أنّ الضمير عائد على اليوم وليس على الصلاة.
بما أنّ طول النهار يزداد كلما ذهبنا شمالاً فإنّ الإشكال يتمثل في تحديد الطول الذي عنده يصوم المسلم نهاراً كاملاً. ولو قلنا إنّ الـ 20 ساعة هي الحد الفاصل للزمنا الدليل. وماذا سنقول عندما يكون النهار 20 ساعة تزيد أو تنقص 5 دقائق؟! إذن لا بد من وضع ضابط لطول الليل والنهار، لأنّ صيام نصف ساعة أو ساعة ليس بصيام، والشرع يحتّم علينا الصيام. وعندما نصل إلى الضابط نلتزمه من غير حرج، لأنّ العبرة تكون بحصول الطاعة وليس بوجود الأمارة والإشارة والضابط.
نقول: يُفهم من قول الرسول عليه السلام:"اقدروا له قدره"، أننا عند حصول الخلل نقدّر اليوم بما يعرفه الصحابة المخاطبون، لأن المعنى: اقدروا له قدره المعلوم لديكم. ويعزز هذا قوله عليه السلام:"وسائر أيامه كأيامكم"، مما يعني أنّ التقدير يكون بأيامهم، وليس بأيام أهل سيبيريا مثلاً.
توقيت مكة يتقارب مع توقيت المناطق المعتدلة مع فروق ليس لها تأثير. من هنا نجد أنّ أهل مكة لا يصومون أكثر من 16 ساعة ولا يصومون أقل من 12 ساعة، إلا قليلا (ثلث ساعة). وبذلك نكون قد وضعنا الضابط الذي يمنع حصول البلبلة، ويمنع حصول العنت، ويمنع نسخ الشرع، بزعم أنّ صيام نصف ساعة أو ساعة هو صيام.
وعليه تكون الفتوى:
يصوم أهل كل بلد نهار رمضان بطوله عندهم بشرط أن لا يزيد عن 16 ساعة ولا يقل عن 12 ساعة إلا قليلاً، فإن زاد النهار عن 16 ساعة أفطر الصائم، وإن نقص عن 12 ساعة لزمه اتمام صيام 12 ساعة، ويغتفر النقص الذي هو بمقدار ثلث ساعة، لأن أقصر نهار في مكة والمناطق المعتدلة ينقص بهذا المقدار.
وبذلك نكون قد أخذنا بنصوص الدين وبجوهره وروحه.