سمنون المحب
؟ - 297 هـ / ؟ - 910 م
أبو الحسن سمنون بن حمزة الخواص.
صوفي شاعر، كان معاصروه يلقبونه بسمنون المحب، وذلك لأنه كان ينسج غزلياته وينظم محبته لله تعالى.
عاش في بغداد وصحب سمنون كل من السقطي والقلانسي ومحمد بن علي القصاب، وكانوا جميعاً من جلة مشايخ بغداد وأكابر صوفيتها.
كان سمنون ينسج في المحبة الالهية غزلياته حتى أصبح معروفاً بتخصصه في المحبة، متفرداً في الحديث عنها بلسان العاشق، لدرجة أنه اختص باسم "المحب" دون سائر شعراء الصوفية ممن عاصروه.
كما أنهم وصفوا كلامه بأنه أحسن كلام، وشعره لا يدور إلا عن الصد والهوى والجفا والصبر والرجا والوجد والعتاب والشوق والوصال والبين والبكاء والعذاب والصبابة.
ولكن "سمنون المحب" لم يكن لقب شاعرنا الوحيد، فهناك لقب آخر أطلقه هو على نفسه هو "سمنون الكذاب" ووراء ذلك قصة يرويها المؤرخون، وتبدأ ببيتين من الشعر أنشدهما سمنون على النحو التالي:
وليس لي سواك حظٌ """ فكيفما شئتَ فامتحنِّي
إن كان يرجو سواكَ قلبي """ لا نلتُ سُؤلي ولا التمنِّي
ويقال أنه لم يكد ينشد بيتيه هذين، حتى ابتلي باحتباس البول وذاك هو الامتحان، وأخذ يتلوى من الألم، ويدور في الكتاتيب، يرجوا الصبية أن يدعوا الله أن يعجل بشفائه قائلاً: ادعوا لعمكم الكذاب، اشارة إلى تراجعه عما قاله في بيتيه، وإظهاره للجزع، والتأدب بآداب العبودية. وعندما أطلق بوله قال: يا رب تبت إليك ، أي تبت عن طلب الامتحان.
وهنا بعض المقطوعات الشعرية المتفرقة التي تعبر عن الارتباط الوثيق بين الشعر والمحبة عند سمنون، وكيف كان هذا الشعر رقيقاً للغاية، وكيف كان سمنون نفسه يبرر هذه الرقة بقوله: لا يعبر عن الشيء إلا بما هو أرق منه، ولا شيء أرق من المحبة.
يعاتبني فينبسط انقباضي """ وتسكن روعتي عند العتاب
جرى في الهوى مذ كنت طفلا """ فمالي قد كبرت على التصابي
بكيتُ ودمع العين للنفس راحة """ ولكن دمع الشوق ينكى به القلبُ
وذكرى لما ألقاه ليس بنافعي """ ولكنه شيء يهيج به الكرب
فلو قيل لي من أنت قلت معذب """ بنار مواجيد يضرمها العتب
بليت بمن لا أستطيع عتابه """ ويعتبنى حتى يُقال لي الذنب
وكان قلبي خالياً قبل حبكم """ وكان بذكر الخلق يلهو ويمزحُ
فلما دعا قلبي هواك أجابه """ فلستُ أراه عن فنانك يبرحُ
رُميت ببين منك إن كنت كاذباً """ إذا كنت في الدنيا بغيرك أفرح
وإن كان شيءٌ في البلاد بأسرها """ إذا غبت عن عيني بعيني يلمحُ
فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل """ فلستُ أرى قلبي لغيرك يصلحُ
تركت الفؤادَ عليلاً يعاد """ وشرّدتُ نومى فمالي رقادُ
أفديكَ بل قلّ أن يفديك ذو دنفٍ """ هل في المذلّة للمشتاق من عار
بي منك شوقٌ لو أن الصخر يحمله """ تفطّر الصخر عن مستوقد النار
قد دبّ حبّك في الأعضاء من جسدي """ دبيب لفظى من روحي وإضماري
ولا تنفّست إلا كنت مع نفسي """ وكل جارحة من خاطري جاري
أنت الحبيب الذي لاشك في خلد """ منه فإن فقدتك النفس لم تعش
يا معطشى بوصال أنت واهبه """ هل فيك لي راحة إن صحت واعطشى
شغلت قلبي عن الدنيا ولذتها """ فأنت والقلب شيء غير مفترق
وما تطابقت الأحداق من سنة """ إلا وجدتك بين الجفن والحدق
أنا راض بطول صدك عني """ ليس إلا لأن ذاك هواكا
فامتحن بالجفا صبري على """ الود ودعني معلقا برجاكا
ولو قيل طأ في النار أعلم أنّه """ رضىً لك أو مدن لنا من وصالكا
لقدّمتُ رجلي نحوها فوطئتُها """ سروراً لأني قد خطرتُ ببالكا
أمسى بخدي للدموع رسوم """ أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم
والصبر يحسن في المواطن كلها """ إلا عليك فإنه مذموم