كيفكم انشااءالله تماااام ,,
قصه طوويلهـ وبنفس الوقت حزييينهـ وربيـ تقطع القلب
,,,,,ندمت من بعدك ياااااااااسعووووود ,,,
اتركم مع القصهـ
(ندمت من بعدك ياسعود)
قصة طويلة بعض الشيء لكنها حقيقية وبالحرف الواحد ..
لكل إنسان في هذه الحياة قصة أحداثها الأيام وبطلها هو
يحدث فيها غير المتوقع ويلعب بها الزمن كيفما شاء
فيها الحزن وفيها الفرح
فيها الحدث وفيها الروتين
فيها الضيق وفيها الفرج
فيها الرضا وفيها الغضب
فيها الحب وفيها الكره
فيها الصداقة وفيها العداوة
فيها اللقاء وفيها الفراق
فيها البسمة وفيها الدمعة
وكل هذه المشاعر تمر بكل حياة إنسان
البعض يتخطاها بنجاح وجدارة
والبعض يخفق في تخطيها
ولكل إنسان نظرته وذوقه الخاص في الحياة
والكل له تجربته التي يتعلم منها في حياته الكثير
أنا وأنت وكل البشر في دواخلنا رواية
نحتاج أحياناً لإخراجها وإظهارها للغير
ليس لشيء؟
سواء لإشباع غرور النفس وأيضاً لإظهار تجاربنا للأخرين
من يدري قد يستفيد منها البعض يوماً ما؟
أما عني أنا فلدي روايات كثيرة جداً احتفظ بها في داخلي
لكن ما هز كياني وأثر في شخصيتي رواية واحدة
أنها قصة طويلة وطويلة جداً
لكنها والله غيرت مجرى حياتي
جعلتني أعرف معنى الصداقة الحقيقة
أجل الصداقة
أين أنا منها وأين هي مني؟
بصراحة وبدون مبالغات كانت أهم شيء في حياتي
كنت أرى أن أتعس الناس من كان بلا صديق
والعكس كذلك فأسعدهم من له صديق وافي وصادق
وأنا آنذاك أصنف نفسي مع أسعد الناس
فأنا لدي الكثير جداً من الأصدقاء الأوفياء
وما زالوا حتى الآن بجانبي في كل خطوة أخطوها
أحبهم ويحبوني وأعزهم ويعزوني
ولم يقصروا معي يوماً إن ضاقت فيني دنياي
فكانوا لي سند في وقت الشدة
أما صداقتي الغريبة والتي لا أعتقد أن أحداً قد مر بها
فهي صداقتي مع ((سعــــــوود))
قصتي مع هذا الإنسان الشهم لا أظن أبداً أنها تكررت مع أحداً غيري
لن أطيل عليكم أعزائي لكن أعذروني فقد أخذ مني القلم مجراه دون أن أشعر
بــــــــــداية قصتــــــــي
ندمت من بعدك يا سعود
أسمي مـــــاجد بن فهد الـ ....... أسكن في أحد الأحياء الراقية في القصيم (بريدة)
أنتمي لأسرة تميل للثراء بعض الشيء
تكثر فيها أنواع الترف واللعب
مما أثر في شخصيتي وجعلني مغروراً
((((وأحب أذذذذذل الناس يعني نذذذذذل وبقوـوـوـوـوـوـوة))))
كنت وما زلت أحب العلاقات الاجتماعية منذ صغري وكان لدي الكثير من الأصدقاء الاوفياء
ولا يوماً خسرت صديقاً لي كنت الصديق الوفي وكانوا لي كذلك
كبرت على مر السنين وكبرت معي علاقاتي وأصدقائي
كنت متفوقاً جداً في دراستي وقد لاقيت التشجيع والدعم من والديّ
لقد رتب لي أبي مستقبلي وجعلني أتوجه بكل ما فيني لعالم الهندسة
أراد أن يُكتب دائماَ قبل أسمي المهندس مــــاجد بن فــهد الـ ...
وبعد تخرجي من المرحلة الثانوية بنسبة ممتازة
دخلت الجامعة كلية إدارة أعمال
لكي يرضى عني غروري المتدفق حينما أتخرج وأصبح مديراً في أحد مؤسسات والدي
هكذا كان تفكيري في ذلك الوقت بالذات
أما أبي الذي أخبرني أنني سأندم لدخولي هذا القسم لكن مع إصراري عليه وافق وشجعني وكانت حكمته دوماً ((من أراد النجاح سيجده في كل مكان))
بدأت مشواري في التعليم الجامعي وبدأت معه علاقتي مع (سعود)
منذ أول أيامي في الجامعة تعرفت عليه واستمرت علاقتي معه
حتى أصبحت أعرف كل شيء عنه تقريباً
سعود\ شاب يحمل في داخله معاناة كبيرة كافح الحياة ليعيش سعيداً لم أراه يوماً عابساً بل على العكس كان دائم الإبتسام يخفي خلف ذاك الوجه الصبوح الكثير من معالم الحزن والأوجاع لقد كان فعلاً يبحث عن صديق يفهمه ويشاركه همومه الصعبةيسكن مع والده وأخاه (صالح) الذي يكبره بسبع سنوات في منزل صغير أخبرني أنه لا يعرف أحداّ من أعمامه ولا أخواله ووالدته توفيت قبل ثلاث سنوات أو ما يزيد ووالده طريح الفراش يعاني من مرض مميت وأخاه يعمل جاهداً طوال وقته ليجني ثمار تعبه ويجمع المال ليستطيع أن يسافر بوالده لـ (بريطانيا) للعلاج أما هو فقد كان يدرس في الصباح في الجامعة (معي) وباقي وقته يقضيه داخل منزله ليقوم بخدمة والده .
وأنا بدوري كصديق أحب مساعدة أصدقائي ساهمت في خدمته وخدمة والده
عرضت عليه يوماً مساعدة مالية لكنه رفض ورفض بشدة
في داخله عزة نفس وكرامة لا تسمحان له بقبول مساعدات الآخرين
واستمرت صداقتنا بكل ما فيها (الحلو والمرّ) طوال سنتين عشناها بدون اي مشاكل أساعده وأشد بأزره وأكون له السند وقت الشدائد
وفي أحد الأيام العادية ونحن في السنة الثالثة الجامعية كنت واقفاً مع سعود أمام بوابة الجامعة يخبرني بأخر أخباره وأخبار والده وفجأه رن هاتفه من رقم غريب
سعود : غريب من ذا اللي يتصل علي
أنا : رد وشوف
سعود : بس أنا ما أعرف أحد
أنا : يمكن واحد غلطان
رد سعود
سعود : الووو ...أيه نعم أنا سعوود .... (بانت على وجهه صدمة قوية) .....أجي للإسعاف .....ورااااه ؟؟ ...... طيب طيب مع السلامة
أغلق هاتفه بسرعة وأجاب قبل أن اسأله
سعود : ماجد الحقني الظاهر أبوي فيه شي هذولا الإسعاف بسرررعه تكفى
أنا : اهدأ إن شاء الله ما فيه إلا العافية
قلت كلماتي الأخيرة وأنا أركض مسرعاً إلى سيارتي
ركبت وركب سعود بجانبي وبسرعة جنونية أدرت مقود السيارة واتجهت لمركز الهلال الأحمر السعودي
كان سعود قد أراح ظهره على مرتبة السيارة وأسند رأسه وأغمض عينيه وبهمسات متقطعه سمعته ينطق : استغفر الله يا رب احفظ أبوي يا رب ابعد عنا الشر يا رب ما لنا غيره
رفع هاتفه المحمول واتصل بأخيه (صالح) لكنه لم يجب كان جواله مقفل
سعود وعلامات الضجر والتأفف بادية عليه أف هذا وينه ذا وقته يقفل جواله
أنا : يمكن قالوا له قبلك
سكت وكأنه يتذكر شيئاً ما وعاد يدعو الله ويتوسل إليه بأن يحفظ الله والده
وصلنا أخيراً
فتح الباب قبل أن أقف ركض بسرعة إلى الداخل قاطعاً مواقف السيارات كلها
اتجه للإستقبال وأنا أمشي خلفه
سعود بصوت مرتفع قليلاً : أنــــاا سعود وش به أبوي
الأستقبال سأله بهدوء : أخوك صالح عبد الله الـ ...؟
سعود وقد جهز نفسه لأسوء إجابة : أيه اخوي
الأستقبال : يطلبك الحل
(((مــات صالح ))
في هذه اللحظات كنت أقف خلف سعود وكان ينوي أن يركض لكنه ما أن رآني حتى دفن وجهه في صدري وتبلل ثوبي بدموعه التي اختلطت بدموعي
كنت اسمع شهقاته وأنينه في صدري همست له : أنت طوول عمرك قوي لا تضعف دخيلك سعود أثبت
قلتها وأنا أتقطع في داخلي لحاله المتدهورة
لكن سعود صرخ بأعلى صوته صرخة اهتز لها المبنى بأكمله : أخوي صالح
ضغطت عليه بصدري حاولت أن اجعله يقف لكنه ينهار
أجل سعود ينهار وهو بين يدي لا استطيع أن أفعل له شيء أما الناس فلقد تجمعوا حولنا محاولة منهم أن يخففوا عنا مصابنا
أنا جالس وسعود في حضني يبكي كطفل صغير انتزع بقوة من حضن أمه الدافئ
يبكي وقد أغلقت جميع الأبواب في وجهه
ما بال هذه الأسرة تنقرض أولاً بالأم وثانياً بصالح ليبقى سعود ووالده المريض
لاحظت أن الناس تجمعوا حولنا بكثرة سألوني أسئلة لم أعرف معناها وكأنهم يحاولون الاستيلاء على شيء ما
حاولت أن أفكر بعقلانية بعيداً عن المشاعر فليس هذا وقت الدموع
وقفت وأوقفت سعود معي الذي بدأ يستجيب لحركاتي وكأنما استسلم للقدر أن يذهب به كيفما شاء حاولت أن اسحبه بعيداً عن تجمعات الناس
لكنه تذكر شيئاً ابتعد عني بسرعة وذهب للاستقبال
سعود بصوت متقطع من الشهقات : أبي أشوفه ودي أشوف أخوي
الاستقبال وكأنه بدأ يحن لحال هذا الشاب المسكين : روح من هنا بتلقاه بأحد الغرف اسأل عنه
ركض سعود يفتح أ ي غرفة أمامه وأنا خلفه أحاول تهدئته ولكنه لا يجيب على نداءاتي
أخيراً دخل غرفة كان صالح جثة هامدة بلا حراك فوق سرير موجود فيها وقد أزيلت عنه كل الأجهزة
مـاات صـالح وترك خلفه رجل مسن يعاني من الأمراض أشدها وشاب يحمل في داخله الكثير من الهموم والأحزان والمعاناة
كشف سعود عن وجه أخاه قبله بصمت لم أتوقعه أبداً ثم أعاد الغطاء والتفت لدكتور الذي كان يقف عنده
سأله وهو يحاول أن يركز بما يقول : وشلون مات ؟
الدكتور : قالوا لي حادث
أعاد سعود بصره إلى أخاه دمعت عيناه ولكن هذه المرة بصمت رهيب
ربت على كتفه لأمنحه الحزم والقوة
خرجنا وركب سيارتي وركبت معه لم يتحدث لكنه كان يبكي انتظرته حتى يهدأ لكنه كان يزيد من حدة صوته وبكاءه
أخيراً استطعت أن انطق حروفي المبعثرة : سعود تعرف أحد كبير يعني رجال وفاهم ؟
أخرج هاتفه المحمول ومده لي : أسمه الشيخ عبد الرحمن صديق أبوي وامام مسجدنا
اخذت هاتفه وبحثت عن هذا الأسم في قائمة الأسماء القليلة عنده حتى وجدته
اتصلت عليه واخبرته بما حدث (صالح مات وبحادث مروري)
وهو بدوره تحمل كل المسؤوليات حول هذا الموضوع جزاه الله عنا كل خير
وفي صلاة الظهر يوم غد صلينا عليه وعلى آخرون غيره في مسجد أبو ونيان في بريدة أنا وسعود ووالده الذي أصر أن يأتي للصلاة على ابنه ولو في الكرسي المتحرك
وجمع كبير من المسلمين
وبمرور ثلاثة أيام انتهت خلالها مراسم العزاء كنت خير معين لسعود ووالده فيها
وقفت بجانبه وأعدته لقوته وصوابه ورسمت أمامه مستقبلاً زاهي الألوان
وبهذا عاد سعود لحياته الطبيعية غير أنه كان أكثر هدوءاً وصمتاً في كلامه وأكثر نشاطاً وحباً للعمل الجاد
أمـا ابتسامته فلا زالت موجودة
وأيضاً مرت سنتين احتفلت أنا بنهايتها فرحاً بتخرجي من الجامعة لكن سعود الذي ترك دراسته الجامعية واتجه للعمل الحر لم يحتفل معي
ولقد عينني أبي في أحد مؤسساته العقارية مديراً لأحد الأقسام المهمة فيها بدأت عملي بنشاط وهمة
ولم أنسى يوماً صديقي الغالي سعود
الذي سافر لحائل مع والده ليسكن عند عمته (( أخت والده من الأب أي ليست شقيقة أباه ))
التي ستقوم بخدمته هو ووالده
ومرت الأيام وأنا اتصل عليه واطمئن على أخباره وأخبار والده حتى جاء اليوم الذي اتصلت فيه كعادتي لكنه فاجأني بطلب لم أتوقعه أبداً
أنا : هلا سعود كيف الحال ؟
سعود : الحمد لله بخير وعافية أنت أخبارك ؟
أنا : أنا بخير ما ناقصن غير شوفتك يالغالي
سعود : تبي تشوفن رتب لي وظيفة عندك
أنا : وبس أرتب لك بس وراه عسى ما شر ؟
سعود : الشر ما يجيك بس تعرف رجل عمتي العيشة معه نكد وأنا وأبوي ملينا منه جمعت لي كم قرش وقلت استأجر لي شقة وبعدها يصير خير
أنا : ابشر ولا يهمك ارتب لك احسن وظيفة المهم ترتاح
سعود : والله رجال ما خيبت ظني فيك
أغلقت سماعة الهاتف ولمعت في ذهني فكرة أصنفها مع أفكار إبليس اللعين
قلت في نفسي : ((رجل مثل سعود أبوه مريض وماله غير عمته اللي رجله ما يبغاه لا هو ولا أبوه ومحتاج لكل قرش يطيح بين أيديه أقدر أذله بالطريقة اللي تعجبني وترضي غروري أقدر أخليه يترجاني بس عشان أعطيه خمسة وإلا عشرة ريال ههههه والله فرصة وما راح تتعوض خصوصاً وأنه سعود يعتبرني صديقه ههههههه ))
هكذا كنت أفكر وهكذا رتب لي شيطاني
وبعد أسبـوع فقط كان سعود يجلس أمامي في مكتبي في مؤسسة والدي وبين السلام والإطمئنان عن الحال
سألني : وشي وظيفتي يا مديري
أنا بأسلوب وقح للغاية واعرف أن سعود لم يعتد على أسلوبي هذا أجبته : أنا احتاج سكرتير
رفع بصره اللامع إلي نظر ملياً وكأنما صدم مما قلته لم يتكلم كان الصمت خليله
أعرف أن وظيفة السكرتير جيدة نوعاً ما لكنها لم تعجبه لقد كان يتوقع أن أضعه في مكان أفضل من هذا أما أنا فكل ما كنت أريده أن يكون قريباً مني ويعمل تحت أوامري مباشرة
تكلمت بعد فترة صمت قصيرة : آسف سعود لكن أنت ما معك إلا شهادة الثانوية صعب أحطك بمكان أحسن من كذا
ابتسم ابتسامة شاحبة على غير عادته : لا عادي ما قلت شي جزاك الله خير ماتقصر
أنا وقد أخذ مني الغرور والكبرياء طريقهما : عطني ملفك وتعال وقع على العقد
سعود قدم لي ملفه ولا زلت أرى في وجهه صدمة من أسلوبي المتغير
رميت الملف على طرف الطاولة بطريقه (تذله) وأخرجت أوراق العقود من الدرج
كتبت عليها وأمام عينيه
أسم الموظف سعود بن عبد الله بن ... الـ ...
وظيفته المقدم عليها سكرتير لمدير قسم الـ ....
مستواه التعليمي ثانوي
تاريخ العقد - ..../..../.... 14ه
مدة العقد – ستة أشهر _ سنة _ سنتين _ ثلاث سنوات
رفعت رأسي لاسأله : كم تبي تشتغل هنا ؟
سعود : أطول مدة
أنا : ثلاث سنوات موافق ؟
سعود : أيه موافق
وضعت دائرة على (ثلاث سنوات)
ثم قرأت عليه الشروط الخاصة بالمؤسسة
سألني سعود : طيب كم راتبي ؟
أنا : ألف ومائتين ريال
سكت
وقعت على العقد ثم نظرت إليه : تعال وقع
وقف وأخذ مني القلم ووقع بهدوء
وقفت وناديته وأنا أمشي لخارج مكتبي وفي يدي ورقة العقد وقد أدرت له ظهري : تعال معي
لمحته يقف ويتبعني بهدوء اتجهت لمكتب والدي اوقفته عند الباب
والتفت له : انتظرني هنا ولا تدخل إلا إذا قلت لك
هز رأسه علامة الموافقة واسند جسده على الجدار
دخلت على أبي
أنا : صباح النور يبه
أبي رفع رأسه لي وابتسم : صباح الخير كيف حال الشغل ؟
أنا جلست : الحمد لله ماشي زين .. أقول يبه
أبي : سـم
أنا : سم الله عدوك تذكر مره قلت لك إني أبي سكرتير لأن سكرتيري ترك شغله عندي
أبي : أييييه نسيت الظاهر إني قلت لحامد يحط إعلان بالجريدة بس مدري هو حط وإلا لا
أنا : لا يبه ما يحتاج أنا جبت لي سكرتير ووقعنا على العقد بس أبيك أنت توقع بعد وتشوفه
أبي : موب مشكله وينه ؟
أنا أعطيته العقد ووقع عليه ثم رفعت صوتي قليلاً : سعود
لم يجب
أعدت النداء : سعود
فتح الباب ودخل
سعود : السلام عليكم
أجابه أبي : وعليكم السلام
أما أنا فسكت
أبي : أنت سعود ؟
سعود : أييه نعم
أبي : وقعت على العقد لمدة ثلاث سنوات وقريت الشروط المكتوبة صح؟
سعود نظر إلي : صح
أبي : موافق عليها ؟
سعود : أيه أكيد
رفع سماعته وطلب من سكرتيره حامد الحضور
دقائق فقط وكان حامد يقف أمام مكتب والدي
أبي : حامد هذا سكرتير ماجد الجديد خله يشوف مكتبه ويعرف طبيعة الشغل هنا خلاص
حامد : ابشر طال عمرك
خرج حامد وخرج خلفه سعود
ومر أسبوعان وأنا أرفع صوتي عليه عندما يخطئ وأتعمد إهانته أمام بعض الموظفين
أما عن وضعنا خارج نطاق العمل فقد كنت أعامله مثل معاملتي السابقة تماماً
الغريب أنه لم يسألني عن سبب تغير معاملتي له في العمل
وهذا ما شجعني على الاستمرار في هذه الطريقة وإهانته بطرق مختلفة
وفي أحد أيام الخميس العادية كان والد سعود في المستشفى بغرفة (الترقيد) لأن المرض بدأ يزداد عليه
ذهبت بعد صلاة العصر لزيارته
سلمت عليه وخرجت لكن سعود تبعني ووأقفني في أحد الممرات في المستشفى
سعود : لحظة ماجد أبي أكلمك
أنا ألتفت إليه : هلا سعود تبي شيء ؟
سعود : أيه أبي أكلمك بموضوع تعال نجلس بغرفة الانتظار
أنا : وأبوك يمكن يحتاجك ؟؟؟
سعود : لا أبوي نام
أنا : يالله أجل مشينا
ذهبنا لغرفة الانتظار وجلست وجلس سعود بجانبي وكلي حماس وشوق لمعرفة ما هو الموضوع الذي سيطرحه
أنا : هاه سعود وش عندك حمسّتن ؟
سعود : ماجد أنا كل اللي عندي سؤال وأبيك تجاوبن بصراحه خلاص ؟
أنا : وش دعوى ما بيننا رسميات اسأل
سعود : طريقة معاملتك لي بالشغل زفــت وراه ؟
أحسست بشعور غريب لم أتوقع أن يسألني هذا السؤال وبهذه السرعة
سكت تظاهرت بأنني لم أفهم
سعود : ماجد أنا ما توقعت أبد أنك تعاملن كذا لا تستغرب من سؤالي أنا كنت ناوي اسألك من قبل بس ما لقيت وقت مناسب وأدري أنه هالمكان موب زين بس تعرف ظروفي إذا عندك سبب خلاك تعاملن كذا قل لي وأنا أن شاء الله بتفهم وضعك
أنا وبكامل ثقتي قلت كلماتي بصوت جاف وبغرور وكبرياء متناهيين : أنا أعاملك كذا لأنك موظف مثل غيرك بالمؤسسة ولو سمحت لا تخلط الأمور ببعض
سعود : موب قصدي ماجد بس أنت ما تعامل أحد من الموظفين كذا عشان تقول مثلك مثل غيرك
أنا : أنت حساس
سعود : المفروض أنك تعاملن على أني صديقك أدري أني ما معي إلا شهادة ثانوي بس انت تعرف ظروفي والمفروض تتساعد معي
أنا وقفت وبعصبية : لو هي على المفروض كان المفروض أنك الحين عند رأس أبوك اقعد عنده لا يموت عليك بعدين دوّر لك أحد يعينك
لم يجب لقد جرحته بكلامي
وأنا لم استطع تحمل الوضع المتكهرب هناك خرجت بسرعة متظاهراً بالعصبية
ومنذ ذلك اليوم أنقطعت علاقتي بـ ((( سعود)))
كل ما كان يجمعني به العمل
طريقة معاملتي له في العمل لم أغيرها كانت تعجبني
وقتها فقط كنت أظن أنني على صواب لقد أشبعت غروري وكبريائي وبالطريقة التي كانت تعجبني
حقاً كنت غافلاً
أين الرجولة والمروءة والنخوة والشهامة في ذلك الوقت؟
لا أدري
أين عقلي وإحساسي ومشاعري وتفكيري؟
لا أدري
أين الصداقة التي جمعتني بسعود ؟
لا أدري
لما عاملته بهذه الطريقة وأنا أكثر واحد في هذه الدنيا أعرف بظروفه ومعاناته ؟
لا أدري
وللآسف الشديد لم أقف عند المعاملة فقط
لقد وصل بي الأمر أن قابلت صمته بالضرب
أجل لقد كنت أضربه على وجهه بـ((كفي))
وأتلفظ عليه بأسوأ الألفاظ وأقبحها
لكنه لا يقول شيئاً لم يشتكيني عند والدي
ربما لأنه يعتقد أن أبي سيقف في صفي
لكن أن كان هذا أعتقاده فهو مخطئ فأبي لا يريدني أن أتطاول على أحد
لكنه بالتأكيد كان يسكت لأنه صديقي لا يريد أن يسبب لي المشاكل
أو أنه كان مجبراً للسكوت نظراً لظروفه المتدهورة الصعبة
وكان يخشى إن تكلم أن يفقد وظيفته والتي تؤمن له دخلاً يكفيه هو ووالده
على كل حال كان صامتاً ولم يقابل إساءتي له بالإساءة
مرت سنتان وحالي معه لم تتغير مطلقاً
كل يوم كانت تقوم بيني وبينه معركة باللسان وبالطبع كنت أنا من ينتصر ربما لأني كنت أسكته بيدي والتي خيّل لي أنهما قويتين
المهم كان يسكت ويحاول بقدر المستطاع أن يتحاشى غضبي وانفجار براكيني في وجهه كل يوم
كنت أشعر بلذة عندما أصرخ به فيطأطئ رأسه للأرض ويسكت
او يهمس معتذراً ومبرراً لأخطائه التافهة
لم أعرف شيئاً من أخبار والده منذ ذلك اليوم الذي كنا فيه في المستشفى
منذ سنتين لم اسأله ولم نتحدث مع بعضنا البعض إلا في شؤون العمل
وفي أحد الأيام العادية كنت مع احد أصدقائي نتجول في شوارع مدينة بريدة
وقفنا عند الـ (( سوبر ماركت )) ونزلت لأشتري بعض الكاكاو
قابلته فيها لم أعطه بالاً أخذت حاجتي وهممت بالخروج لكنه استوقفني
سعود : لحظة ماجد
التفت له : نعــــم
سعود أنزل رأسه : لو سمحت ممكن أخذ من وقتك دقايق ؟
أجبته وأنا أخرج : لاا
ركبت مع صديقي وذهبنا وكأن شيئاً لم يكن
وفي الغد في مكتبي طرق الباب ودخل
مد لي أوراقاً كنت قد طلبتها منه من قبل
سعود : تفضل طال عمرك هذي الأوراق اللي طلبت
أخذتها وأشرت له بيدي بمعنى ((أخرج))
لكنه لم بتحرك كان ينظر إلي وهو ساكت
رفعت رأسي وبنفس الأسلوب الذي كنت أعامله به منذ سنتين
أنا : وش تنتظر ما تطلع ؟
أجاب : أبي إجازة
أسندت رأسي على يدي : وليش الإجازة
سعود : أبوي مريض ومحتاج علاج ولازم أتفرغ عشان أسافر معه لبريطانيا يعالج و ..
قاطعته : أطلع ما فيه إجازة
سعود : بس شهر
أنا رفعت صوتي : قلت لاا مـــااا تفهم أنت
سعود أجاب بجرأة : خلاص بقدم إستقالتي
أنا ابتسمت باستهزاء : وااو والله أشوف طالعن لك لسان يا أبو السعد
سعود : ممكن تعطين حاجتي وتخلصن
أنا : لاا موب ممكن
سعود : وراه ؟
أنا : باقي لك سنة وتخلص عقدك عندنا وبعدها تقدر تسوي اللي تبي
سعود : ابلغي العقد
أنا : لا .. لا تحاول واللي صبر أبوك هالسنين يصبره سنة
سكت
أنا : يالله شوف شغلك
ذهب وهو يجر معه آلام مريرة وموجعة جداً
ومرت سنة
انتهى عقده عندنا
يتبع
أخذ ملفه وخرج من المؤسسة
كنت أرمقه عند الباب ذكرايات رائعة تجمعني بهذا الإنسان الصبور
أربع سنين عشتها في سعادة وإخاء معه
سنتين في الجامعة وسنتين خارجها
تبادلنا خلالها الحب والإخوة والإحترام والتقدير
وثلاث سنين ؟
لا أدري كيف مرت بغفلة
أردت أن أتبعه لكن لحظة كراااامتي أولى
لن يكلمني بعد الآن لقد أذيته وآذيت والده الذي دخل في غيبوبة منذ شهرين
لن يسامحني .. ما فعلته به أقسى من أن يسامحني عليه
لن أتبعه سنفترق وقد لا نلتقي بعد الآن
سنفترق بدون وداع
يا ترى كيف سيكون حاله بعد الوظيفة ؟
هل سيبحث عن أخرى ؟
أم هل سيبقى بجانب والده في المستشفى ؟
هل سيأتي إلي يوماُ ؟
هل سيطلب من أحد مساعدة مالية ؟
أم أنه قد جمع الكثير من المال الذي سيكفيه ؟
لا أدري
أحسست باهتمام له
بعد أن أفرغت غروري وجعلته موظفاً عادياً عندي يعود شعور الصداقة والأخوة إلي ؟
بالفعل أنا مــــغــــفــــل
قررت أن اتبعه
خرجت وركبت سيارتي ولحقته
أخيراً وصل إلى أحد شقق العزاب
نزل ودخل فيها أنتظرته بعيداً دقائق فقط ويخرج وبيده حقيبة سفر متوسطة الحجم
دار في مخيلتي ألف سؤال
هل سيسافر الآن ؟
والده في غيبوبة كيف سيذهب ويتركه ؟
ربما أراد تغيير مكانه السكني ؟
ولكن لما ؟؟
وضع الحقيبة في المرتبة الخلفية للسيارة وركب ومشى
تبعته , أتجه للمستشفى الذي ينام فيه والده دخل ودخلت خلفه
وضعت يدي على كتفه وقف والتفت إلي مصدوماً
سعود : مــااجد !!!
أنا ابتسمت : وش أخبارك وأخبار أبوك ؟
أجاب مختصراً : بخير !
لاحظت نفوره مني ولا أحد يستطيع لومه
أنا : تحتاج فلوس وإلا أي شيء ؟
سعود : شكراً ما أحتاج شيء
أنا ربت على كتفه : إذا احتجت شيء لا تتردد
هز رأسه علامة الموافقة وأدار ظهره لي وذهب تماماً كما كنت أقوم أنا بفعله معه
كنت واقفاً وأنظر إليه وصل للمصعد الكهربائي وضغط على الزر
وعندما فتح الباب التفت إلي
التقت نظراتي بنظراته
أحسست بصمت مشحون بشوق وشعور غريب في داخلي
لا أدري كيف مرت كل هذه السنين ولم انتبه لنفسي
لا أعرف ما هو سبب غفلتي ونومي عنه ؟
ثلاث سنين طويت وفي صفحاتها آلام وجروح لا زالت تنزف
ما ذنبه ؟ لما فعلت له ذلك ؟
بصراحة شعرت ببعض الندم ؟
من المستحيل جداً أن يسامحني ؟
وبالرغم من أنه كان يسامح كل من يخطئ بحقه بسرعة إلا أنني لا أعتقد أنه سيسامحني
ثلاث سنين ليست قصيرة أبداً
دخل المصعد وذهب من دون أن أرى على وجهه تغير في ملامحه وهذا ما زادني شوقاً
أريد أن أجلس معه أريد أن أعرف رأيه فيما حدث
ترى ماذا سيقول لي؟
عدت أدراجي للبيت بعد أن سألت عن غرفة والده وسبب وجوده
أخبروني أنه في غيبوبة منذ فترة وأحياناً كان يستيقظ ثم يعود للإغماء
وهذه حالته بسبب تقدم المرض فيه
ومرت الأيام دون أن أذهب لسعود لأراه أو أسلم عليه
مر شهر كامل على ذلك
وفي أحد الأيام أخبرني أبي أنه يريد زيارة قريب له مريض وينام في نفس المستشفى الذي ينام فيه والد سعود ويريدني أن أذهب معه
وافقت لأني رأيتها فرصة لذهاب لسعود والاطمئنان عليه
دخلنا وسلمنا على قريبنا ثم استأذنت وخرجت بينما أبي ما زال موجوداً عند قريبه
اتجهت إلى غرفة والد سعود والتي ينام فيها أكثر من شخص
دخلت وكان سعود جالساً عند أحد الأسرة يقرأ في كتاب تبين لي بعدها أنه مصحف يقرأ فيه على والده الذي كان نائماً بهدوء
ذهبت إليه ووقفت عند طرف السرير الأخر
أنا : السلام عليكم
سعود رفع بصره ونظر إلي باستغراب وبهدوء قال : وعليكم السلام
وقف وصافحني ثم أشار لي بالجلوس فجلست وجلس هو
سألته وأنا أنظر لوالده : وش أخباره ؟
أجاب وهو لا يزال ينظر إلي : بخير
لم أعرف بعدها ما يجب علي قوله لم يساعدني في الكلام
نظرت إليه وسألته محاولتاً مني أن ابدأ بالحوار : وأخبارك أنت ؟
سعود عض على أسنانه وكأنه يكتم غيضه : بخير
تجاهلت حركته وسألته : أذكر أنك قلت لي أنك بتسافر لبريطانيا ؟
سعود : أيه ما حصل لنا حجز
أنا وقد صدقت عذره : تبي أحجز لكم يمكن أنت مشغول ما تقدر تحجز خلن أنا أحجز
سعود : لا شكراً ما أحتاج منك شيء
أنا : سعود شفيك أنا ماجد؟
رفع بصره نظر إلي بنظرة مملؤة بالحزن والقهر والآلام والأوجاع المريرة
كأنه يقول لي أبعد كل هذه السنين تعود لتقول أنا ماجد
تذكرت حينها موقفاً حصل لي معه في العمل
(( كنت جالساً أمام مكتبي وقد زارني أحد أصدقائي وهو لا يعرف سعود
كان صديقي قد جلس مقابلي في المكتب وكنا نتحدث عن أمور عامة لولا أن هذا الصديق كان دائماً ما يخبرني بأنني ضعيف الشخصية ولا استطيع فرض احترامي على الأخرين لذلك وجدت أن الفرصة مناسبة لأثبت له العكس ووجدت أيضاً (سعود) فرصة مناسبة لذلك فهو مكان الإهانة والذل عندي ومن الصدفة أيضاً أنه أتصل على مكتبي ليخبرني أن هناك من يريد ترتيب موعداً لمقابلتي لكنني صرخت به قائلاً : أنت يا حماار ما بغيت تتصل تعال الحين لمكتبي لا والله جيت أنا عندك وعلمتك الأصول
وأغلقت السماعة بعصبية
سألني صديقي : شفيك عسى ما شر ؟
أنا أجبت متظاهراً أنني أحاول ضبط أعصابي : من هالسكرتير الفاشل ما أقدر اعتمد عليه بشيء
وبعد ثواني دخل سعود , قمت مسرعاُ من مكاني واتجهت بسرعة إليه رفعت يدي ثم صببت على خده جام غيضٍ كاذب وبدأت أصرخ في وجهه كلاماً لا أدري من أين جئت به كل ما في الأمر أنني أريد أن أثبت لصديقي هذا أنني أنسان قوي وكما يقال (عند كلمتي)
ومن الضحية ؟ (سعود)
ومن كلامي المسموم الذي قلته لسعود : حيـــواان أنت ما قلت لك إذا صار فيه شيء تقدر تنهيه بنفسك لا تجي تقول لي فـــــاااهم
سكت وهز برأسه ثم انزله للأرض وقد وضع يده على خده وهو لا يدري ماهي غلطته
أنا : يالله أطلع ما أبي أشوف وجهك
رفع بصره ونظر إلي تلك النظرة التي ملؤها الحزن والهم الكبير ))
للأسف لم استطع وأنا عند سعود في المستشفى مسح سحابة الحزن التي غطت على ملامحه ولم يستطع إخفاءها
أجاب سعود على سؤالي وكان يحاول أكثر مني إنهاء الحوار : أقول يا ماجد سبحان مقلب القلوب
سكت ولم استطع الرد عليه لكنني ابتسمت له بود
أما هو فلم يرد الإبتسامة (على غير عادته)
وقفت : تبي شي قبل أمشي ؟؟
سعود : لا سلامتك
أنا : سلملي على الوالد إذا قام ولو احتجت شيء تراي بالخدمة
لم يجب بل كان ينظر إلي بنظرات صامته
قلت له وأنا أخرج : مع السلامة أشوفك على خير
رد علي : مع السلامة
خرجت من عنده وأنا أشعر باختناق بضيق في الحقيقة كنت أشعر بنــدم حقيقي
ذهبت لأبي وخرجنا للبيت كنت طوال الطريق صامتاً وذهبت محاولات أبي لاستنطاقي أدراج الرياح
دخلت غرفتي وتمددت على فراشي ودارت في مخيلتي كل ذكرياتي التي تجمعني بسعود أي منذ تعرفت عليه
ابتساماته الرائعة ضحكاته البشوشة لعبه وركضه صوته العذب وجهه الصبوح قلبه الطاهر روحه الندية نواياه الحسنة مقالبه الحلوه نظراته البريئة سعود
كم أحب ذلك الإنسان أجل أحبه وفعلت ما فعلت به لأني أحبه من المستحيل أن أنساه
لن أذهب إليه ولن اعتذر له قد يأتي اليوم الذي سنلتقي فيه ونجلس معاً عندها سأشرح له كيف كنت في غفلة سأخبره بأن غروري قد غلبني أعرف أن هذا لن يرضيه ولن يجعله يسامحني مطلقاً ولكن لا بأس سأحاول ولكن ليس الآن هو مشغول بوالده المريض إن احتاج مني شيئاً سيأتي إلي لقد أخبرته بأنني سأكون في الخدمة وهذا يكفي
ومر شهرين سمعت أنه سافر لبريطانيا لم أحاول الإتصال به ولا السؤال عنه
وانقطعت عني كل أخباره
ومرت السنين تلو السنين
أصبحت في السابعة والعشرون من عمري بدأت أفكر بالزواج ولم أسمع عن سعود أي خبر
وفي أحد الأيام حدث حادث مروع لابن عمي وكسر حوضه
ذهبت لزيارته (في الرياض) دخلت وذهبت لغرفته و سلمت عليه إلى أن خرجت من عنده وبطبعي أحب الاستكشاف رأيت ممراً طويلاً ممتلئ بالمقاعد وللأسف كان شكله يوحي بالخراب مشيت من عنده اردت أن أرى ماذا يوجد في نهايته
كان كلما تقدمت يبدأ بالظلام حتى وصلت إلى أخره
سمعت صوت شهقات مكتومة ورجلاً قد جلس على الأرض واستند بأحد المقاعد الخشبية المتكسرة يبكي لم استغرب في مكان كهذا أن اجد مثل هذه الأشكال
وضعت يدي على كتفه وسألته : أخووي وش مقعدك هنا ؟
رفع رأسه وبعيون مليئة بالدموع وبصوت مبحوح من كثرة البكاء : وأنا ناقصك بعد أنت ؟
سعـــــــوو وووود
مالذي حدث يا ترى؟ ما به ؟
من الذي جعله يجلس في هذا المكان؟ ولم يبكي ؟
جلست وامسكت يديه وسألته : وش صاار سعوود شفيك ؟
نظر إلي بوجه شاحب : أبوووي مـــاااتــتــ
وخنقته العبرة وبكى
ضممته لصدري وأنا اسأله : من متى ؟؟
رد وقد دفن وجهه في صدري : من شهوور
يا إلهي هل يبكي على أباه الذي مات منذ شهور هكذا وبهذا الشكل وهذا المكان كنت متوقعاً أنه سيقول لي منذ يوم أو يومين وأن كان طويلاً منذ أسبوع
سألته : طيب ليش جالس هنا ؟
تكلم بجدية أكثر : أنا وديت أبوي لبريطانيا عشان العلاج وجلس يعالج هناك وأنا عنده بس قال مدير المستشفى أنه يحتاج زيادة فلوس ورجعت وتركت أبوي هناك عشان أشتغل وأجمع فلوس وهم هناك توقفوا عن علاجه ومات خبروا السفارة السعودية وهي ارسلت جثته للسعودية وصلوا عليه ودفنوه وأنا ما دريت ما أحد قال لي بس توي أدري لأني أشتغلت هنا بالمستشفى هذا
سكت وهو يكتم عبراته وشهقاته
أما أنا فلقد ابعدته عن جسمي ووقفت : سعود أنت اللي قتلت أبوك
استغرب من كلماتي ورغم الألم الذي كان يحس به إلا أنه سألني : ليش ؟
أجبت وأظنني كنت يهودياً لقولي تلك الكلمات له : لأني قلت لك من قبل أذا كنت تحتاج فلوس أو أي شيء أنا بالخدمة بس أنت ما جيت لي وتأخرت على أبوك بالعلاج وماات يعني أنت سبب موته يا سعود وفاعلين الخير كثارين وراه ما طلبتهم يساعدونك لازم تشتغل
ابتعد عني واقترب للكرسي وامسكه بقوة وبكى بمرارة
ذلك المشهد الذي حدث أمامي يشبه مايحدث في الأفلام ولكنه حقيقة
أما أنا فلقد ادرت له ظهري وقلت له وأنا ابتعد عنه : أنت ما فهمت للدنيا عشان كذا بهذلتك
وتركته في ذلك المكان يبكي لفراق أباه أخر من بقي له من أهله لم أعزيه ولم أهون عليه بل على العكس زدته آلاماً قلبي قاسي ولا يعرف معنى الرحمة كم أنا لئيم وشرير هذا كل ما استطيع قوله عن نفسي
تركته على الأرض ممسكاً بكرسي متحطم ويبكي بكاء الوحدة والخوف من المجهول والقلق والعذاب المرير ويا أسفي وعذابي فلقد كانت هذه آخر مرة أرى سعود فيها
ومرت أيام وشهور وسنه كاملة على ذلك
حتى اتصل علي رقم غريب
ضغطت على الزر الخضراء في هاتفي الحمول وأجبت : ألوو
المتصل : أخوي ماجد فهد الـ ..
أنا : أيه نعم من معي ؟
المتصل : أخوي أبي أقابلك عندي موضوع مهم ودي أخبرك عنه
أنا : موب مشكلة بس من معي ؟
المتصل : علي ابراهيم الـ ....
لم أكن قد سمعت بهذا الأسم من قبل
أنا : والنعم بس ممكن تقولي وش هالموضوع اللي تبين فيه ؟
علي : لا آسف أنا أبي أشوفك أول وبعطيك غرض أمانة عندي ولازم يوصلك
أنا : طيب متى ؟
علي : متى يناسبك ؟
أنا : بكرا العصر الساعة 5 عند الـ ..
علي : حلو أشوفك بكرا مع السلامة
أنا : يا هلا مع السلامة
أغلقت السماعة وأنا أفكر بالموضوع المهم الذي يريدني به (علي)
وفي الغد في المكان المحدد قابلت علي كان شخصاً يبين من ملامحه أنه ملتزم وتظهر على وجهه ملامح الطيبة والمسامحة
سلمت عليه وأخبرته أنني ماجد
رحب بي وكان يحمل في يده دفتراً (روكو)
بدا كلامه مباشرة بسؤال : تعرف واحد اسمه سعود عبدالله الـ .... ؟
أجبته باهتمام: ايه فيه شيء هذا صديقي ؟
ضحك علي : صديقك وما تدري وينه ووش صاير عليه
أنا : ايه أنا لي سنه ما شفته أخر خبري فيه أنه أبوه مات قبل أكثر من سنه وراه أنت تعرفه صاير له شيء ؟
أجاب بجدية : سعود له ستة شهور متوفي
وقفت وصرخت صرخة سمعها كل من كان في مكاننا : وش تقــــوول وشلون
أجاب بهدوء : بحادث (وضع الدفتر الذي كان بين يديه على الطاولة) وحنا من الجمعية لقينا بشقته هذا الدفتر واللي أتوقع أنه ما تركه إلا لك أنت وبالنسبة لي قريته وفهمت بعض الأشياء وأتوقع أنه شيء بينك وبينه واللي توضح لي من هالدفتر أنه كتب هذا الكلام فيه عشان إذا مات يوصلك (وقف) الله يرحمه ويصبرك تبي شيء ؟
أنزلت رأسي ووضعت يدي على الدفتر وأجبت : لا شكراً ما تقصر أخوي
علي : مع السلامة
وذهب في طريقه أما أنا أخذت الدفتر وركبت السيارة ولم أشعر برغبة في فتحه
مجرد التفكير بأن سعود قد مات ولن يعود للحياة يجعلني أشعر بندم عظيم
مهما حاولت وصف شعوري هذا فلن استطيع أن أوفيه حقه الحقيقي
دخلت البيت وأنا ابكي وقد تلثمت (بشماغي)
وعندما رأتني أمي هكذا وأخواتي وقفن بسرعة وصببن علي كيلو من الأسئلة
( ماجد شفيك وراك تصيح أبوي به شيء وش السالفة)
أجبتهن وأنا أصعد لغرفتي : صديقي مات
دخلت غرفتي وبدأت بالبكاء بصوت منخفض لكنني لم استطع التحمل بدأت ابكي بحدة
سعوود مات ماذا قدمت له ؟
هو صديقي لكني عدوه ؟
لطالما خفف عني ضيقاً فقط بابتساماته ؟
وأنا زدته هماً بغروري وكبريائي ؟
سعود لما ذهبت ولم تخبرني ؟
لما تتركني وحيداً
أجل أنا بعدك أصبحت وحيداً لأن كل من حولي لا يعلمون بما فعلته أنا بك ؟
سعود لقد ابتسمت للحياة لكنها لم تبتسم لك ؟
في البداية فقدت أمك وحنان قلبها ؟
ثم فقدت أخاك واهتمامه ؟
لترمى على عاتقك كل المسئوليات ؟
وأخيراً فقدت أباك (الرجل المريض) ؟
وعندما رأيت أنه لم يبقى من تحبه في هذه الدنيا غادرتها ؟؟ لمـــا يا دنيا أنتي قاااسيه هكذا ؟
سعود ليتك تعوود ولو لثواني ؟
أريد أن أقبل يديك وقدميك أريد أن تسامحني ؟
لقد زدتك هموماً على همومك ؟
يا أخي صبرك عظيم وأنت أعظم ؟
سعود غادرت الدنيا بعز شبابك ؟ وأي شباب ؟
شباب ما فيه إلا الحزن والهموم والمشاكل والمصائب ؟
سعود ـسامحني أرجـــــــــووك لقد اخطأت بحقك اعترف بهذا
لكنني ندمت أقسم بالله أن الندم قطعني لأجزاء
طعم الندم الحقيقي لا يفهمه إلا من يعيشه هو يستمر طوول الحياة ولا ينتهي بل يزيد يوماً بعد يوم
سعود لقد انتهت الجمل لا استطيع أن أقول لك شيء غير ســااامحني فأنا ندمان
ومر الوقت وأنا ابكيه وأدعو له بالرحمة والغفران
وأهلي وقفوا بجانبي وعزوني على فراق صديقي سعود
مرت ايام وأنا لا أكل ولا أشرب ولا أتكلم لا أخرج من غرفتي إلا للصلاة
ولم افكر يوماً أن افتح ذلك الدفتر بصراحة في البداية كنت اعتقد أنه عتاب لي
ولكن بعد ذلك قررت أن أفتحه واستحق ما يحدث لي من ندم
فتحته كان كله بخط سعود
كتب في الصفحة الأولى بيتين أثنين
أبكي قصيدة واشبك البيت بالبيت * وأشكي قوافي الليل من كل ضيقة
وأدخل بحور الشعر لامن تجليت * وأغوص في وسط البحور العميقة
وفي الصفحة الثانية
يــــاارب أرحم غوالي لي تحت الأرض بايتين
وفي الصفحة الثالثة
صدمة شعوري في البشر ماهي غربية بس الغريب ليه أنا ما تعلمت
شعرت أنه بهذه يقصدني
وفي الصفحة الرابعة والخامسة كتب كلاماً عفوياً أنقله لكم تماماً كما كتبه سعوود
((( إلى ماجد بن فهد بن .... الـ....
من وين تبين ابدأ كلامي يا |صديقي| من وظيفتي اللي عطيتن أياه والإ من المهانة اللي شفته منك وإلا من قطاعتك بي واللي إلى الحين مدري وراه؟؟ تبي الصراحة الدنيا كله هم على رأسي وأنت لحالك هم ثاني أشد يمكن يضيق صدرك يمكن تندم مع أني ما أتوقع أنسان بمثل قساوتك وغرورك صعب يندم ,, ماجد أنا أكتب لك هالكلام بعد ما انتهى فيلم حياتي أنا وعائلتي واللي بطله أنا (سعود) تفرغت لك أبكتب بهالدفتر كل اللي بخاطري عليك وتأكد أني لو ما عرفتك كان عيشتي الحين أحسن بكثير تدري وراه ؟؟؟ لأنك كسرت عودي وأهنت كراامتي وأنـــاا ساكت لك لأني مغصوب ماجد لا تظن أني بعد وفاة أبوي انتهيت لو بيعطين الله عمر والله لأخذ حقي منك بس عسى ربي يجيب لي نقل لبريدة عشان أشوفك وأقطعك ولعلمك أنا الحين أشتغل في مستشفى (....) في الرياض واليوم الثلاثاء تاريخ ..../...../.....14ه وقاعد بشقة صغيرة وشينة وما عندي إلا الفقر يا ولد النعمة ))
أحسست بندم عدت للبكاء لم استطع الإكمال سعود لم يسامحني لا بل كان ينوي الإنتقام مني آآآآآهـ ما أشد أوجاعي
الصفحة السادسة
(( وعلى فكرة تراي ما نيب قاسي لهالدرجة يمكن أموت قبل أشوفك عشان كذا لو مت تراك بألف حل وأنا مسامحك من كل قلبي وإذا وصلك دفتري هذا بيوم من الأيام أبيك تبني لي مسجد >> بعد إذنك يعني إذا كنت قادر> وتكثر من الصدقة لي ولأهلي الله يرحمهم ))
الصفحة السابعة
(( ماجد لي طلب أنا ما أدري أحس أني ودي أموت ودي ألحق أهلي بس طلبتك وصل سلامي لعمتي ورجله وقلهم سعود يحبكم ومسامحكم ))
الصفحة الثامنة
(( ماجد تراي والله أحبك بس اللي سويته بي ماهو بسهل وترا الدنيا دواره وكما تدين تدان ولو ما سويت لك شيء أنا يمكن غيري يعذبك ))
الصفحة التاسعة
(( ودي أشوفك قريب ودي اسألك وراك يوم دريت أن أبوي مات تركتن ورحت لا وتقول أنت اللي قتلت أبوك ودي اسألك وراه ذليتن عندك بالشغل ؟؟؟ ليتك عندي الحين وتجاوب ))
أحسست براحة بعدما قرأت هذه الصفحات كأنه شعر بموته واراد مني أن ارتاح ولا أندم ولكن الندم سيستمر معي طوال عمري كتب في باقي الصفحات كلاماً طويلاً يصعب علي نقله ولكنه كتب في آخر صفحة
(( ماجد يا أخوي طلبتك وأخر طلب إذا تزوجت وجاك ولد أرجووووك سمه سعود موب لشيء بس عشان تتذكرن دايماً وتدعيلي >>إذا مت>> ولأهلي اللــه يرحمهم ويجمعني بهم بالفردوس الأعلى ويجمعني بك يا مبهذلني )(( مبهذلني )))) كانت آخر كلمة في هذا الدفتر من خط يد سعود
وأخيراً أخبركم أنني نفذت جميع وصاياه والحمد لله بنيت له أكثر من مسجد وفي مناطق متفرقة في المملكة وجعلت له صدقة جارية للأيتام والأرامل والمطلقات وذهبت للعمرة والحج ونويتها له ووضعت له ماء سبيل ولأهله - رحمهم الله – وذهبت لعمته وزوجها وأخبرتهم أن سعود يحبكم وقد سامحكم قبل موته وعندما عرضت علي أمي فكرت الزواج بعد وفاته بثلاث سنوات وافقت ورزقت ببنت ثم ولد أسميته (سعود) من أجله رحمه الله رحمة واسعة ولقد تركت عملي في مؤسسة والدي واشتغلت في النطاق الحكومي موظفاً عادياً لا أمر لي على أحد
والآن أنا كلما رأيت ابني الذي بلغ من العمر سنتين أدعو لسعود صديقي بالرحمة والغفران ولأهله وجميع المسلمين ومن المحزن جداً أن ابني هذا دائم الابتسام كأنه سعود
ولكن ليشهد الله أنني ذقت طعم ندم حقيقي مر ومرارته تختلف عن باقي المرارات هي مرارة تؤلم القلب وتجعله ينزف بلا جرح
عندما تكون غافلاً لسنين طويلة ثم تستيقظ ماذا ستجد أمامك ؟
أنا سأخبرك لأنني قد جربت ذلك
ستجد ندما و حزن و قهراً على عمر مضى دون أن تنتبه له
فاستيقض من الآن ولا تنسى أن تعتذر لمن اخطأت في حقه يوماً ولو كان خطأ بسيط لأنك ستعيش طوال عمرك نادماً
هذه قصتي ((ندمت من بعدك ياسعود)) هي حقيقة وليست من نسج الخيال كتبتها من شدة الألم الذي يأسرني من كل الجهات فأين ما أذهب أجد صورة سعود وهو يبكي في المستشفى في إخر مرة رأيته فيها أمامي فلا أجد ما أقول سوى ربي أرحمه وأحسن مدخله وأكرم نزله وأجمعني وأهله في جنات النعيم .. سعوود هذا الإنسان الشهم الصبور الحليم مات وتركني خلفه تصرخ في داخلي آلاماً وأوجاعاً وحزناً ومرارة مغيضة
وصدق سعود حينما كتب في دفتره
((( وتأكد أني لو ماعرفتك كان عيشتي الحين أحسن بكثير )))
يــاارب أرحمه وأسكنه وأهله الفردوس الأعلى واجمعني به عند أنهار جنانك .آآآآمين