مسجد الشيخين
المساجد الأثرية في المدينة النبوية
محمّد إلياس عبد الغني من ص 111- 118
مطابع الرشيد ط1/1418هـ
(14) مسجد الشيخين
أسماؤه:
أ- يقال له: مسجد الشيخين لوقوعه في موضع الشيخين.
قال المطري: الشيخان موضع بين المدينة وبين جبل أحد على الطريق الشرقية مع الحرة إِلى جبل أحد.
قال ابن زبالة: وكان لبعض من هناك من اليهود الأطمان اللذان يقال لهما الشيخان بفضائهما المسجد الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إِلى أحد.
قال الفيروزآبادي: شيخان بلفظ تثنية شيخ، موضع بالمدينة يقال له ثنية شيخان وكان فيه معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة خرج لقتال المشتركين بأحد وهناك عرض الناس فأجاز من رأى ورد من رأى.
وقال إِبراهيم العياشي: إِن الشيخين أطمان - كما قال ابن زبالة - موجودان اليوم في شرق بئر السالمية العائدة لورثة علي خضره المشهورين بالقين. وفي الشمال الغربي من مزرعة أخينا محماس الدخيل التي في الحرة شرق القين، والأطمان أحدهما على يمين الطريق في الثنية والآخر وهو صغير في يسار الطريق... وقد أحدثت منازل كثيرة واستعمرت المنطقة حول ثنية الشيخين فصارت قرية وتكون البدائع هي بئر القين نفسها.
ب- ويقال له: مسجد البدائع كما ورد في حديث أم سلمة رضي الله عنها الآتي ذكره.
ج- ويقال له: مسجد العدوة، ولعل ذلك لوقوعه على عدوة الطريق، كما ذكره المطري. والعدوة بضم العين وكسرها، جانب الوادي وحافته وقال أبو عمرو: هي المكان المرتفع.
د- وأطلق عليه بعض المتأخرين مسجد الدرع.
قال إِبراهيم العياشي: ويقول له الناس: مسجد الدرع ولا صحة لهذه التسمية فيما أرى. لأن النبي صلى الله عليه وسلم لبس لأمة حربه من بيت عائشة رضي الله عنها في الحجرة النبوية، وقال: ما كان لنبي إِذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل.
ويمكن أن يقال: إِن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر بين درعين يوم أحد، ولبس أحدهما في حجرته كما أفاد ذلك ابن هشام وابن حزم. ولبس الثانية في موضع الشيخين قبل التحرك إِلى موقع الغزوة. إِن صح ذلك فهذا يصلح أن يكون سبباً لتسميته بمسجد الدرع. والله أعلم.
هـ- وفي سنة 1418هـ رأيت لوحة مثبتة على باب المسجد مكتوب عليها "مسجد الخير" ولم أجد أصلاً لهذه التسمية في المراجع التاريخية التي تحدثت عن هذا المسجد. فهو اسم مستحدث.
موقعه:
يقع على يمين الخط النازل من سيد الشهداء وفي الجهة الجنوبية من مسجد المستراح على بعد ثلاثمائة متر تقريباً في المدخل المتفرع من هذا الشارع وعلى يمين الداخل فيه على بعد عشرين متراً.
مسجد الشيخين عبر التاريخ:
أورد ابن شبه (المتوفى 262هـ) هذا المسجد ضمن المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد أنه صلى العصر والمغرب والعشاء في موضع هذا المسجد.
أفاد المطري (المتوفى 741هـ) أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد الذي عند الشيخين وهو موضع بين المدينة وبين جبل أحد على الطريق الشرقية مع الحرة إِلى جبل أحد، وبات به وغدا صبح يوم السبت إِلى أحد، ففيه كانت وقعة أحد في النصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة. وتحدث عنه الفيروزآبادي (المتوفى 817هـ).
وقال أبو البقاء المكي (المتوفى 854هـ) مسجد الشيخين وهو موضع بين المدينة وأحد على الطريق الشرقية مع الحرة.
قال السمهودي (المتوفى 911هـ): شيخان بلفظ تثنية شيخ أطمان بجهة الوالج، قال ابن زبالة: بفضائهما المسجد الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إِلى أحد.
وقد وصفه علي بن موسى سنة 1303هـ/1885م كما يلي:
"وبين سيدنا حمزة والبلدة الطاهرة مسجد عند الحديقة السالمية على مرتفع من الأرض وهو غير مسقوف، وهو مسجد الشيخين ويعرف الآن بمسجد الدرع". فالبناء الحالي للمسجد متأخر من سنة 1303هـ.
وقال إِبراهيم العياشي (المتوفى 1400هـ): وهو من قسمين، الجنوبي عليه قبتان والشمالي رحبة، وهو مجصص تجصيصاً قوياً منذ أن بني، وبابه من الركن الشمالي الغربي.
وقال الخياري (المتوفى 1380هـ) ومسجد الشيخين يقع الآن على يسار خط الأسفلت المؤدي إِلى مزار سيد الشهداء وجبل أحد، وبناؤه عثماني قديم وهو عبارة عن رواق مقبب وخلفه رحبة تحت السماء.
وقمت بزيارة المسجد وذرعه في 14 ربيع الأول سنة 1418هـ فهو على ما وصفه الخياري والعياشي، وقد قام الأستاذ علي بابطين بترميمه الشامل وتغطية رحبته بسقف، وتكييفه المركزي. والمسجد مربع، عشرة أمتار في عشرة أمتار ومساحته (100م2) وهو عامر تقام في الصلوات الخمس.
نزول النبي صلى الله عليه وسلم في موضع الشيخين وصلاته فيه: عن سعد (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد الذي عند البدائع عند الشيخين وبات فيه حتى أصبح).
وعن محمد بن طلحة قال: (المسجد الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة حين راح أي إِلى أحد من ههنا هو المسجد الذي على يمينك إذا أردت قناة أي وادي الشظاة. صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم العصر والعشاء والصبح ثم غدا إِلى أحد يوم السبت.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد البدائع بشواء فأكله ثم بات حتى غدا إِلى أحد).
وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خرج إِلى أحد نزل عند الشيخين فأصبح هناك فجاءته أم سلمة بكتف مشوية فأكلها ثم جاءته بنبيذ فشرب ثم أخذه رجل من القوم فشرب منه ثم أخذه عبد الله بن جحش فعبَّ فيه، فقال له رجل: بعض شرابك، أتدري أين تغدو؟ قال: نعم، ألقى الله وأنا ريان أحب إِليّ من أن ألقاه وأنا ظمآن، اللهم إِني أسألك أن أستشهد وأن يمثل بي فتقول: فيم صنع بك هذا؟ فأقول: فيك وفي رسولك. فقتل عبد الله بن جحش يوم أحد شهيداً ودفن مع حمزة بن عبد المطلب في قبر واحد".
وعن زيد بن ثابت "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إِلى أحد فرجع ناس ممن كان معه فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين، فقال بعضهم: نقتلهم، وقال بعضهم: لا. فنزلت (فما لكم في المنافقين فئتين...) والمعني بالمنافقين هنا عبد الله بن أبي وأصحابه الذين تركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ورجعوا بعسكرهم بعد أن خرجوا".
وقال ابن سعد أثناء حديثه عن غزوة أحد: مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إِذا كان بالشيخين التفت فنظر إِلى كتيبة حسنة لها زجل فقال ما هذه؟ قالوا حلفاء ابن أبي من يهود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تستنصروا بأهل الشرك على أهل الشرك، وعرض من عرض بالشيخين فرد من رد وأجاز من أجاز وغابت الشمس، وأذن بلال المغرب فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وبات بذلك الموضع وكان نازلاً في بني النجار واستعمل على الحرس في تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين يطيفون بالعسكر، وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر ودليله أبو حثمة الحارثي. فانتهى إِلى أحد موضع القنطرة اليوم فحانت الصلاة وهو يرى المشركين، فأمر بلالاً وأذن وأقام فصلى بأصحابه الصبح صفوفاً وانخزل ابن أبي من ذلك المكان في كتيبة كأنه هيق يقدمهم، وهو يقول: عصاني وأطاع الولدان ومن لا رأي له. وانخزل معه ثلاثمائة.
رد صغار الصحابة من الشيخين يوم أحد:
أفاد السمهودي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكر بالشيخين ليلة خرج
لأحد وهناك عرض الناس فأجاز من رأى ورد من رأى كما روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه.
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كنت ممن رد من الشيخين يوم أحد.
وقد رد يوم أحد أسامة بن زيد وزيد بن ثابت، والبراء بن عازب، وأسيد بن ظهير، وعرابة بن أوس.
منقول من موقع مركز بحوث ودراسات المدينة المنوره