مسجد الكاتبية
مسجد الكاتبية
مسجد صغير يقع في حي الكاتبية(1) ، بني في القرن الهجري الثالث عشر، ولا يعرف بالضبط سنة بنائه، وأقدم ذكر له ورد في رسالة علي بن موسى "وصف المدينة" التي كتبها سنة 1303هـ يقول فيها(2): (وفي زقاق الكاتبية مسجد صغير بمنارة صغيرة، ويعرف بزاوية ابن السنوسي ساكن الجغبوب صاحب الطريقة السنوسية) .
ولم تهتم الكتب التي صدرت عن معالم المدينة بهذا المسجد كثيراً، لقرب عهده من جهة، ولعدم ارتباطه بأحداث أو أسماء مشهورة في تاريخ المدينة من جهة أخرى، باستثناء كتاب "تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً" للسيد ياسين الخياري ، حيث انفرد بمعلومات لافتة للنظر هي(3):
1- أن الذي أنشأه هو الشريف محمد بن علي السنوسي الأكبر(4)حوالي عام 1250هـ .
2- أنه يوجد بمحيط المسجد قبر صحابي جليل من شهداء أحد اسمه رافع بن مالك الزرقي رضوان الله عليهم أجمعين .
وتؤخذ على هذه المعلومات الملاحظات التالية :
أولاً : لم نجد ما يوثق نسبة المسجد إلى الشريف محمد بن علي السنوسي الأكبر، ولم نجد ما يوثق التاريخ المحدد لبنائه (عام 1250هـ) .
والمرجح ــ اعتماداً على ما ورد في رسالة علي بن موسى ــ أن بعض السنوسيين جاؤوا إلى المدينة في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري واستوطنوا فيها واشتروا عقارات في منطقة الكاتبية وأسسوا المسجد ضمن نشاطهم في تأسيس المساجد والزوايا . ويؤكد هذا الرأي أن عدداً من صكوك الملكية في المنطقة مسجل باسم وقف السنوسية ، وأن اسم الزاوية السنوسية شاع بين أهالي المدينة المنورة واستمر إلى جيل الشيوخ المعاصرين .
ثانياً : لم يوثق الخياري المعلومة التي ذكر فيها أن قبر الصحابي الجليل رافع بن مالك مدفون في محيطه ،ولم نجد في أي من المصادر التي رجعنا إليها ما يوثق هذه المعلومة .
والمعلومة التي وجدناها هي أن الصحابي رافع بن مالك الزرقي (نسبة إلى بني زريق من قبيلة الخزرج) هو أحد النقباء في بيعة العقبة، وأنه استشهد في غزوة أحد(5)، وقد انفرد ابن شبة(6)برواية ذكر فيها أنه دفن في منطقة قبيلة بني زريق .
ويبدو أن الخياري قد أخذ بهذه الرواية، وتأثر بروايات شعبية كانت في زمنه ووصل إلى المعلومة التي ذكرها .
فقد ذكر لنا بعض المعمرين الذين أدركوا المسجد قبل توسعته أنه كان في الزاوية الشمالية الشرقية من باحة المسجد سور قصير خلفه قبر لا يُعرف صاحبه،وكان بعض الحجاج يزورونه فيما يزورون من بقايا القبور والآثار في المدينة، وقد أُهمل القبر في الفترة الأخيرة وغطته التربة والمتروكات ، فلما وُسَّع المسجد سنة 1380هـ(7) لم ينتبه أحد لوجود القبر ، وسويت الأرض وأدخلت في المسجد .
ومما يؤكد أن رواية الخياري غير ثابتة ما كتبه الأستاذ إبراهيم العياشي(8) الذي كان معاصراً للخياري -وكان أكثر منه دقة ومنهجية- عن قبر الصحابي رافع بن مالك ، فقد أخذ العياشي برواية ابن شبة أيضاً، وحدد مكان القبر استناداً إلى ما ورد عند ابن شبة بأنه عند بيت آل جمال الليل، وهذا البيت بعيد عن مسجد الكاتبية يقع في الجهة الجنوبية الغربية من مسجد المصلى (الغمامة) مقابل بيت آل الخريجي سابقاً .
والنتيجة التي نخلص إليها هي :
أولاً : إن مسجد الكاتبية تأسس في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري على يد بعض السنوسيين، واشتهر باسم الزاوية السنوسية، ثم تولت إدارته وزارة الأوقاف ورممته ووسعته .
ثانياً : إن بعض كبار السن من أهل المدينة يذكر وجود قبر في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد لا يُعرف صاحبه .
ثالثاً : إن الخياري هو الوحيد الذي نسب القبر إلى الصحابي رافع بن مالك ولم يوثق روايته .
رابعاً : إن ما ذكره ابن شبة في تحديد قبر الصحابي الجليل رافع بن مالك وتبعه العياشي يظهر أنه بعيد عن المنطقة التي فيها مسجد الكاتبية .
----------------------------------
(1) الكاتبية : نسبة إلى كاتب ، حيث كان بعض العاملين في وظيفة كاتب يملكون أراضي وبيوتاً فيها،أشهرهم محمد صالح أفندي ابن كاتب السلطان، وكانت المنطقة أول الأمر بستاناً فيه بيوت قليلة كثرت فيما بعد وبني فيها حوش سمي حوش الكاتبية يقع شرقي مبنى الإمارة الجديد. المرجع: ــ وصف المدينة ص27رسالة لعلي بن موسى نشرت في كتاب رسائل في تاريخ المدينة، قدم لها وأشرف على طبعها حمد الجاسر . دار اليمامة الرياض 1392هـ،
ــ ملف تدوين التاريخ الشفوي بمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة . مقابلات مع عدد من المعمرين في المدينة المنورة .
(2) وصف المدينة ص17.
(3) تاريخ معالم المدينة المنورة قديماً وحديثاً لأحمد ياسين الخياري ص160 تعليق: عبدالله أمين كردي المدينة المنورة 1410هـ .
(4) محمد بن علي بن السنوسي الخطابي الحسني، ولد في مدينة مستغانم بالجزائر عام 1202هـ وتلقى العلم في فاس وتونس والقاهرة ومكة، وعندما أقام في مكة أسس زاوية عند جبل أبي قبيس، ثم رحل إلى برقة في ليبيا وأقام في الجبل الأخضر وبنى الزاوية البيضاء، كثر تلاميذه فارتابت الدولة العثمانية في أمره فانتقل إلى واحة الجغبوب وظل فيها إلى أن توفي عام 1276هـ . له أربعون مؤلفاً في الحديث والوعظ والتصوف ، وكان من منهج طريقته نشر الزوايا وتعليم القرآن والحديث فيها ، وعندما احتل الإيطاليون ليبيا قاومهم أتباع الطريقة السنوسية بضراوة بقيادة البطل عمر المختار .انظر الأعلام للزركلي 6/299 .
(5) انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 3/621، ط دار صادر ــ بيروت ، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 2/444، ط1 دار الجيل ــ بيروت 1412هـ .
(6) تاريخ المدينة المنورة (أخبار المدينة النبوية) عمر بن شبة النميري 1/54 ط1 دار الكتب العلمية بيروت 1417هـ .
(7) كتاب دليل مساجد المدينة المنورة ص20 إعداد سعيد أحمد الدربي ومحمد عبدالرحمن أبوعزة .مديرية أوقاف المدينة 1399هـ .
(8) المدينة بين الماضي والحاضر لإبراهيم بن علي العياشي ص215 ط2 مكتبة الثقافة المدينة المنورة .
منقول من موقع مركز بحوث ودراسات المدينة المنوره